أخبار عاجلة
الرئيسية | عظات | قداس عيد الميلاد

قداس عيد الميلاد

باسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.

أبنائي الأحباء،

ما أحلاها لفتة أراد فيها الله تعالى الأب الحنون أن ينظر إلى عالم الإنسان.

ما أحلاها لفتة عندما بشر الملاك جبرائيل الرعاة.

ما أحلاها وما أجملها أوقات عذبة لذيذة عندما بشر الملاك العذراء مريم بالحبل الإلهي.

ما أجمله حبٌ مملوءٌ بالحنان والعطف نحو الإنسان الذي أخطأ بحق العزة الإلهية، الله تعالى بحنانه بمحبته أعاد حبه للإنسان بدون حدود عندما أرسل ابنه الحبيب إلى أرض البشر كي يعيد تلك الصلة الحميمية، ذاك الحب الصادق، ذاك الحب النقي بينه وبين الإنسان.

ما أحلاها ساعات عندما ولدت من أحشاء العذراء مريم تلك المحبة المتجسدة بالمسيح.

ما أحلاها الحيوانات التي كانت تدفء الطفل الإلهي في مزود بيت لحم.

ما أجمله يوم عندما أضاءت النجوم للمجوس والرعاة والهمتهم، إلى أين هو المكان الذي يوجد فيه المسيح؟

كل هذه الأحداث أيها الأحباء عاشتها البشرية منذ الأزل، منذ آلاف السنين منتظرة حضور ذاك النور، منتظرة حضور تلك النجمة الساطعة التي ستضيء العالم.

ما أجمل ذاك العطف السماوي الذي أراد الله تعالى أن يفهم فيه الإنسان أن محبته له لا حدود لها، وأنه ضحى بابنه الوحيد يسوع المسيح، وارسله إلى هذه الأرض كي يبرهن للإنسان أنه لا حقد في قلبه، أنه  يحب، أنه يبدع، أنه يعطي، أنه لا ينتقم، هذه محبة الله نحو الإنسان، وبماذا قابل الإنسان هذه المحبة يا أحبائي؟

بكل أسف الإنسان قابل المحبة بالبغض، قابل العطف بالقساوة، قابل التفهم بعدم الرضا، قابل الحب بالحرب، قابل السلام بالقتل والدمار، هذا الإنسان الذي لا يزال حتى يومنا يعاني من جراء غضبه وحقده على أخيه الإنسان بوجود قلب مليء بالحقد والكراهية نحو أخيه الإنسان، الإنسان اليائس، الإنسان المخطىء، الإنسان الشرير، يولد في قلبه هذا الحقد وهذا البغض، أما الإنسان الصالح ففي قلبه عطف ومحبة وحنان نحو أخيه الإنسان، هذا الإنسان الذي أخطأ بحق أخيه الإنسان سيعاقب، أما الإنسان الصالح سيكافأ فهو الذي يحب، ويعطي، ويسامح، ويعطف على اخيه الإنسان بكل أشكاله، ويتقبله كما هو.

الله تعالى رغم كل هذه الأخطاء، رغم كل هذه السقطات وهذا الضعف، محبته لا تتغير أبداً يا أحبائي، فهو يعطينا، وهو يقوينا، وهو يخلقنا، وهو يرزقنا، وهو يتحملنا، وهو يعطينا حتى النهاية ما لا نستحقه، ولا يزال يعطينا وزنات كي نتاجر بها، يعطينا من الصحة ما لا نستأهله، يعطينا من المال ما لا نستحقه، ونحن نبالغ ونبقى دوماً مخالفين لوصاياه، مخالفين لتعاليمه.

هذا ما يجري في حياة الإنسان يا أحبائي، أما اليوم بعد أن ولد المسيح تغير التاريخ، بعد أن ولد المسيح في هذه السنة سيتغير عالمنا، ستتغير مفاهيمنا، علينا ان نعرف أن الميلاد هو حياة، وأن الميلاد هو خلاص، والمسيح أتى كي يخلص، وكي يعطي للإنسان حياة جديدة مليئة بالأمل، ومليئة بالرجاء، ومليئة بالفرح، هذا الميلاد هو الذي سيعيّش فينا نعمة الأمل والرجاء بالله تعالى، هذا الميلاد الذي خلصنا من حرب كنا نعيشها خلال خمس سنوات سيبدأ معنا بحياة أخرى حياة تجديد، وأمل، وعمل متواصل كي نعيد الحياة على أحسن ما كانت عليه في هذه المدينة المقدسة.

هذا الميلاد هو ميلاد خير للعالم أجمع يا أحبائي، أنظروا إلى العالم كم من متغيرات؟ كم من تنظيفات؟ كم من رؤساء زالوا، وسيأتي رؤساء بدلاً عنهم؟ كم من الدول سقطت؟ وكم الدول التي ارتفعت؟ كم من إنسان يائس عاش في الأمل؟ كم من فقراء أتى من يساعدهم؟ وكم من عظماء سقطوا؟ كل هذه التغيرات نراها اليوم في عالمنا لكن علينا ان نفهم الفرح، أن الأمل، أن الرجاء، هو هدف الميلاد، فلنفرح، فلنبتهج مع كل إخوتنا كباراً وصغاراً، مرضى وأصحاء، لنفرح مع يسوع الذي سيولد في قلوبنا من جديد، لنفرح مع يسوع الذي فدى حياته لكي يضع في قلوبنا الفرح، لنفرح مع يسوع الذي سيزين ساحات حلب، مع يسوع الذي سيزين اشجار حلب، مع الأمل والرجاء الذي سيزين كنائسنا المخربة، الذي سيعيد إلينا تلك المحبة الصافية التي نعيشها مع بعضنا البعض كإخوة، كي ننظر إلى العالم لأن العالم بالنسبة لنا عائلة، وأن محبتنا لبعضنا البعض هي من شيم الإنسان المسيحي، علينا أن نفهم وأن نُفهم من لا يريد أن يفهم، أن الإنسان المسيحي يحب أخاه الإنسان مهما كان لونه أو عرقه أو دينه، نحن نحب بدون النظر إلى منفعة شخصية هكذا ما علمنا إياه الميلاد، لنحب اخانا مسلماً كان أم يهودياً أم شيعياً أم درزياً أم ملحداً، يسوع علمنا أن نحب الجميع حتى أعداءنا، انظروا ما هو الميلاد؟ انظروا من هو المسيح؟ وكيف كانت تعاليمه تنبع من إنجيل مقدس يعلمنا كل الصلاح؟ هذا الإنجيل أيها الأحباء علمنا المحبة، علمنا أن نصفح عن بعضنا البعض، هذا الإنجيل علمنا كيف نضع يدنا في يد أخينا الإنسان، هذا الإنجيل هو المسيح، هذا هو الإنجيل، وهذه هي تعاليم يسوع المسيح، التعاليم الصحيحية التي تدخل كل قلب، وتفهم كل إنسان أن عليه أن يعيش بمحبة مع الجميع.

فهذا الميلاد سيوصلنا إلى مفهوم آخر، مفهوم أن الله تعالى محبة، وأن يسوع محبة، وأن المسيحي يجب عليه ان يكون محبة، فهذا الميلاد نتمناه لكم جميعاً ميلاد أمل ورجاء، ميلاد فرح وسرور، وكما كنت أقول منذ سنوات: عيشوا بالأمل ايها الأحباء ستنتهي الآزمة، وستعود حلب، وهذه بعد خمس سنوات اردد الكلام، واقول: إننا والحمد لله انتهت معركة حلب، وانتصرت حلب، وسنعيش دوماً بهذا الأمل والرجاء، وسنعود إلى أعمالنا، سنعود إلى محلاتنا التجارية، سنعود من جديد نربح مالنا بعرق جبيننا، ونصرف على عائلاتنا، سنتكل على ذواتنا، سوف لا ننتظر الجمعيات الخيرية تساعدنا دوماً، يوماً بعد وقت قصير ستقف المساعدات، فعلينا نحن أن نقوم بواجب أولادنا، علينا أن نجاهد كما كنا في الماضي، الحلبيون مشهورون بعملهم، الحلبيون مشهورون بثباتهم وجرأتهم وقوتهم في العمل، وهذا ما تحسدنا عليه جميع المدن السورية غير حلب، يقولون: (الحلبي انسان شغيل الحلبي انسان بيقوم من بكير، وبيسهر لآخر الليالي على شغلو) علينا أن نبرهن لمدينتنا ولأهلنا أننا لا زلنا صامدين في هذه المعمعة، لا زالت حلب تتألم و تعاني لكنها فرحت بالنصر، وهذا النصر نتمناه أن يكون نصراً روحياً قبل أن يكون نصراً حربياً، علينا أن نتأمل بأن الميلاد الذي خلصنا من عبودية الظلام لمدة خمس سنوات هو الذي سيعيد لنا الحياة من جديد بالأمل والرجاء.

اليوم نصلي يا أحبائي من أجل جيشنا البطل الباسل الذي دافع عن المدينة، والذي ضحى، والذي ضحى بشهداء.

لنصلي من أجل رئيسنا رئيس البلاد الذي أيضاً ثبت خلال خمس سنوات حرب ظالمة من كل دول العالم.            لنصلي من أجل ضحايانا، من أجل شهدائنا الذين سقطوا في حلب، وفي حمص، وفي دمشق، وفي كل أصقاع سوريا. لنصلي من أجل ذوي النوايا الحسنة الذين يريدون خير البلد، لنصلي من أجل أوروبا واميريكا التي لا زالت حتى اليوم تتهمنا بالاجرام، كي يرشدهم الله تعالى إلى مراجعة ضمائرهم، وليفكروا بأن هذا البلد يحق له أن يعيش وليس عليهم هم ان يحكموا فينا، نحن نستطيع أن نتابع حياتنا بعدل وانصاف، رغم كل الصعوبات، رغم كل الهفوات، فنحن كفؤون بأن ندير هذه البلاد بقوتنا وبسواعدنا، ومن وضعهم علينا حكاماً، أقول أنا، كما قلت في عدة مقابلات، من وضعهم علينا حكاماً كي يأتوا ويقولوا أننا نسير حسب التشريع العالمي أو أننا نعيش حسب نوايا واجرام الإنسان، نحن السوريون أشراف، ونحن لنا ضمير، ونحن نعمل من أجل حياة أفضل.

فلنصلي أيضاً من أجل كنيستنا، من أجل قداسة البابا، من أجل الأساقفة والكهنة والبطاركة الذين أيضاً يعملون من اجل خير الكنيسة والإنسان، لنصلي من أجل عودة المطرانين المخطوفين، والكاهنين المخطوفين الذين جميعاً ضحوا أيضاً في حياتهم بالعمل من أجل الكنيسة، ونتمنى أن يعودوا جميعهم إلى أبرشياتهم وعملهم في هذه المدينة المقدسة بالصحة والعافية، وأن يكونوا على أحسن ما يرام، لنصلي من أجل كهنة كنيستنا في العالم أجمع.                            لنصلي من أجل الشمامسة، من أجل الطلاب، من أجل العائلات، كلنا بحاجة إلى الصلاة كي يكون عالمنا عالم جديد مليء بالفرح والسعادة.

أقدم هذه الذبيحة على نيتكم جميعاً طالباً من طفل المغارة، طفل الفرح والسرور، أن يعيده عليكم بالصحة والعافية، ولتكن هذه الأعياد مباركة، مليئة بالأمل والرجاء، ولتكن نعمة الآب والابن والروح القدس. آمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by themekiller.com anime4online.com animextoon.com apk4phone.com tengag.com moviekillers.com