الرئيسية | عظات | الخامس بعد القيامة

الخامس بعد القيامة

 

بسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

 

أبنائي الأحباء،

تُعيّد الكنيسة اليوم الأحد الخامس بعد عيد القيامة، وكما سمعنا في رسالة اليوم القديس بولس يتحدث عن الناموس، وعن المحبة، وفي نص الإنجيل للقديس لوقا أيضاً يسوع يتحدث عن فعل المحبة الذي هو أساس كل الدين المسيحي، الله تعالى خلق الإنسان وخلق العالم لكثرة محبته للإنسان وللعالم، عندما يقول له تلميذاه وهما ماران معه في أورشليم ورأيا أن الناس لم يؤمنوا بكلام المسيح، قال له تلميذاه: أتريد أن نطلب من السماء نار كي تنزل وتفني هذا الشعب، أجاب يسوع بكلمة محبة: “أنتما لا تعرفان ماذا تطلبان، أن ابن الإنسان أتى إلى العالم كي يخلص البشر لا أن يفنيهم”.

هذا هو فعل المحبة، المسيح أتى لأنه أحب وقدم حياته فداءً عن الإنسان لأنه أحب الإنسان، وماذا كان جواب الإنسان للمسيح عن هذه المحبة؟ كان النكران، والخذل، والكذب، والخداع، والمراوغة، وكل أعمال الشر جابه فيها الإنسان المسيح، بدل أن يحب كما أحبه فأجابه بالعكس، ولا يزال يسوع يحب الإنسان، ويريد خلاص الإنسان رغم أن الإنسان لا يزال يظهر للمسيح عدم المحبة، وهذا هو موقف الله تعالى من الإنسان، المحبة التي لا تعرف الحدود، المحبة لا تنتهي، المحبة التي تعطي ولا تأخذ، هذا ما تحدث فيه بولس الرسول في رسالته عن المحبة، فما أعظم المحبة يا أحبائي، ما أعظم فعل المحبة عندما نعرف أن نحب، عندما نعرف أن نضحي في سبيل أخينا الإنسان، في سبيل عائلتنا، في سبيل أولادنا، في سبيل مجتمعنا، في سبيل مدينتنا، في سبيل وطننا، المحبة تعمل كل شيء، المحبة هي كل شيء في حياتنا، عندما نحب بصدق، عندما نحب بإخلاص، عندما نحب بدون أن ننتظر مكافأة، والمسيح يسوع علمنا ما هو الطريق إلى هذه المحبة، كيف يجب أن نحب بعضنا بعضاً؟ أحبوا حتى أعداءكم، فهل يا ترى أنا أحب الإنسان الذي يعيش معي كما أراد المسيح ام أنني أحبه عن غاية أم أنني أريد أن أنتهز الفرص كي أربح منه لا كي أحبه كما يجب؟ كثير من الأحيان أكذب على ذاتي عندما أقول أنني أحب وأنا أبغض أخي، عندما أتحدث عن المحبة وأنا لا أعرف شيء عن المحبة، المحبة هي عمل وليست كلمة، عندما أريد أن اتحدث عن المحبة عليَّ أن أكون مقتنعاً من كلمة محبة وما تعنيه هذه الكلمة، والمسيح يسوع أظهر لنا هذا بكل ما في الكلمة من معنى، المحبة التي أعطاها المسيح للعالم لا حدود لها ولا يزال، وعلينا يا أحبائي نحن أيضاً أن نتعلم أن هذه المحبة هي التي تغير الحياة، هي التي تفعل الأفعال القوية في حياة الإنسان، هي كل شيء في حياتنا، فإن أحببنا انتصرنا على الشر، إن أحببنا بصدق وإخلاص علمّنا الآخرين معنى المحبة، عندما لا نريد أن نربح مرابح مادية من هذه المحبة، عندما لا نغش، عندما لا نخادع الآخرين تكون محبتنا صادقة، تكون محبتنا مرتكزة على الإنجيل الذي علمنا أن نضحي في كل شيء في سبيل أخينا الإنسان.

نحن نحب البلد، نحب المدينة، ومحبتنا نظهرها عندما نخدم المدينة ونخدم البلد، وعندما نخدم الكنيسة، وعندما نضحي في كل شيء في سبيل العائلة، هذه هي المحبة الصادقة أيها الأحباء، عندما أكون ثابتاً في محبتي لا أكون متزعزعاً في هذه المحبة، لا أكون مراوغاً في المحبة، هذه المحبة يجب أن تكون فعل، فاعل، يجب أن تكون مبنية على أساس راسخ، في الصدق والإخلاص، أنا احتمل ولدي، احتمل ابنتي عندما تخطأ وعلي أن أساعد ابني أو ابنتي أو زوجتي أو أمي أو أخي، عندما احتمل معهم صعوبات الحياة، وعندما أريد أن أظهر لهم المحبة هي كل شيء في تعاطينا مع بعضنا البعض، وعندما أكون صادقاً معهم ولو على ذاتي، ولو على نفسيتي، ولو على ضميري، عندما أريد أن أظهر لهم أن محبتي صادقة ولا غش فيها.

أنا أحببت حلب، وبقيت في حلب أثناء الحرب، وكلكم تعلمون، وأنتم كنتم معي، نحن لم نترك المدينة لأننا خفنا من الهاونات، ومن التفجيرات، نعم احتملنا الكثير لأننا نحب هذه الأرض، لأننا نريد أن ندافع عن هذه الأرض، لأننا نحب الكنيسة رغم كل هذه التفجيرات، ورغم تكسير الزجاج، وتحطيم الحائط هناك وهنا من خلفي، رغم أن الكنيسة أصابها الكثير، نحن نحب روحياً، نحب بكل جوارحنا أدبيا وثقافياً واجتماعياً هذه المدينة ونريد خيرها، وكثير من منازلنا تهدمت، وشوارعنا، وأطفالنا ماتوا، وشهداء كثيرين ضحوا بحياتهم في سبيل هذه المدينة، كل هذا ألا ينم عن محبة صادقة يا أحبائي نحو البلد؟ كل ما احتملناه، كل ما أردنا أن نبني عليه آمال في المستقبل اليوم نعيشه، هذا الإيمان وهذه المحبة رسختنا جعلتنا ننتصر على هذه الحرب الشرسة التي عاشتها حلب منذ سنوات، والحمد لله ولا نزال نعيش دائماً بالأمل، وننتظر أن هذه المحبة التي نريدها للآخر، ذاك الإنسان الذي لا يعرف المحبة الذي يكره ويقتل ويبغض وينهب نريد أن نعلمه المحبة، وديننا المسيحي يعلمنا المحبة وسنعلم المحبة للآخرين، وعندما يتعلم الآخر معنى المحبة يبتعد عن الحروب وعن القتل والدمار. هذا ما أريد ان أقوله اليوم في هذه الكلمات التي أتمناها للجميع أن تدخل في قلوبنا، وأن تصنع في داخلنا فعل المحبة الصادق للكنيسة وللوطن وللأولاد .

أقدم هذا القداس على نيتكم جميعاً طالباً من يسوع إله المحبة أن تبقى محبة الإنجيل والكنيسة في قلوبنا كما نريدها لأولادنا ولعائلتنا، ولتكن حياتنا مبنية دوماً على هذا الأساس وعلى هذه المحبة الصادقة.

بنعمة الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by themekiller.com anime4online.com animextoon.com apk4phone.com tengag.com moviekillers.com